الإمارات تطلق الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي لمضاعفة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة
التحول الرقمي يدعم توجهات الاقتصاد الأخضر في الإمارات
سرّعت توجهات دولة الإمارات نحو الاقتصاد الرقمي، تنفيذ استراتيجيات وخطط الاستدامة على جميع المستويات والقطاعات، الأمر الذي أسهم في خفض كلف التشغيل في غالبية القطاعات الحكومية والخاصة على مستويات: تحسين الخدمات وتعزيز جودة الحياة وتقليل الهدر وتخفيض الانبعاث الكربونية وتهيئة قطاعات استثمارية في الاقتصاد الأخضر أو الدائري
واطلقت دولة الإمارات «الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي في إبريل/ نيسان 2022، والتي تهدف إلى مضاعفة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة من 9.7% (2022) إلى 19.4% خلال 10 سنوات مقبلة، وأن تصبح الدولة مركزاً للاقتصاد الرقمي.
تضم الاستراتيجية أكثر من 30 مبادرة ومشروعاً وبرنامجاً تؤثر في 6 قطاعات أساسية، و5 مجالات نمو جديدة، وسيتم من خلالها توحيد تعريف الاقتصاد الرقمي على مستوى الدولة، ووضع آلية موحدة لقياسه، وتحديد وقياس المؤشرات بشكل دوري، كما سيتم تحديد الأولويات الاستراتيجية للاقتصاد الرقمي في الدولة، بهدف أن تعمل جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى على تعزيز ودعم أولويات الاقتصاد الرقمي.
وبالتزامن مع ذلك، أنشأت حكومة الإمارات «مجلس الإمارات للاقتصاد الرقمي» بهدف دعم توجهات الدولة لمضاعفة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وتعزيز تنفيذ مبادرات الاستراتيجية على كافة القطاعات الاقتصادية.
وأكد مسؤولو شركات عالمية ومحلية أن دولة الإمارات باتت من دول العالم التي يشار إليها بالبنان في تبني معايير الاقتصاد الرقمي لخدمة الاستدامة ومواجهة التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة لتحقيق فوائد اقتصادية كبيرة على المستويين الحكومي والخاص، كما باتت الدولة وجهة إقليمية للاستثمارات المستدامة.
الاستدامة العقارية
على مستوى استفادة القطاع العقاري والإنشاءات من الاقتصاد الرقمي، يقول جيمس رالي، مدير شركة «هيدريك آند سترجلز» في دبي: «يزدهر قطاع العقارات في دولة الإمارات بفعل توظيف التكنولوجيا، لا سيما على مستوى نمذجة معلومات البناء والاستفادة من أتمتة العمليات الروبوتية لتسريع المهام وتعزيز الكفاءة والاستدامة في المباني».
وأضاف، في ما يتعلق بموضوع الذكاء الاصطناعي، يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانات هائلة، مثل القدرة على التنبؤ بما إذا كان المستأجر يخطط لمغادرة العقار، وتوجيه فرق التأجير أو خدمات العملاء للاستجابة وفقاً لذلك.
وأوضح أن الاقتصاد الرقمي يركز على عملية التزود بالمعرفة والمهارات اللازمة لتأهيلهم للتعامل بكفاءة عالية مع التغيرات المتسارعة ومواكبة المنافسين، فيما بدأ بعض المطورين العقاريين في الإمارات بتجربة استخدام الميتافيرس في عمليات البناء والبيع والإدارة وغيرها من العمليات.
وتابع رالي: إن اعتماد البناء المستدام الذي أصبح سائداً بشكل متزايد في الصناعة. جعلت شركات الاستثمار أكثر تركيزاً على البيئة والحوكمة، لجذب رأس المال الدولي، حيث تمنح التكنولوجيا المتاحة مطوري العقارات في الإمارات فرصة ليصبحوا أكثر كفاءة.
رقمنة الخدمات
يرى الدكتور أولاس راو، أستاذ مساعد العلوم المالية بجامعة «هيريوت-وات دبي»، أن مبادرات الاقتصاد الرقمي المتعلقة بخدمات الحكومة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية وسلاسل التوريد والعقارات وغيرها من القطاعات قد أدت إلى دعم ريادة دولة الإمارات في تحقيق الاستدامة.
وأضاف راو، لقد باتت الحلول الرقمية عبر مختلف الخدمات بمثابة حافز في تعزيز مبادرات الاقتصاد الرقمي، وبالتالي تحقيق معايير الاستدامة، وخفض البصمة الكربونية بشكل كبير، كتتويج مباشر لخدمات الرقمنة مع التأثير البيئي الملموس في منع انبعاثات الكربون من خلال الممارسات المستدامة.
وأوضح راو، تقود مبادرات الاقتصاد الرقمي المؤسسات إلى تبني ممارسات ذات مستوى عالمي تؤدي إلى ممارسات مستدامة واضحة في انخفاض استهلاك الطاقة، والتركيز على مصادر الطاقة المتجددة والتمويل الأخضر، والتي توفر معاً زخماً كبيراً في تعزيز الرفاهية البيئية. إن الابتكار في الحلول المالية، بما في ذلك تلك التي تقودها بنوك مثل بنك أبوظبي الأول في تعميق سوق أرصدة الكربون من خلال فتح آفاق جديدة للموارد المالية للمؤسسات التي تبحث عن طرق لدمج الاستدامة، يظهر بشكل مباشر نتيجة للمبادرات واسعة النطاق في الاقتصاد الرقمي.
تبني التقنيات
بدوره قال عمار طبا، نائب الرئيس الإقليمي للعلاقات الإعلامية في «هواوي»: «تعتبر الرقمنة محركاً عالمياً للابتكار والتحولات التطويرية ضمن مختلف القطاعات والصناعات، وتمثل مؤشراً رئيسياً لقوة الدول ومدى مواكبتها لركب الحداثة مع الحرص على بعد الاستدامة».
وتسير حكومة دولة الإمارات بخطى ثابتة نحو تأسيس اقتصاد رقمي يستفيد من المزايا الكبيرة للتحول الرقمي، وقد أسهمت البنية التحتية المتطورة لتقنية المعلومات والاتصالات في تعزيز مكانة الدولة كوجهة استثمارية ومركز اقتصادي عالمي يعد الأكثر تطوراً والأسرع نمواً بالمنطقة. ويعزى ذلك لاستراتيجية التركيز على تبني التقنيات الحديثة وتوظيفها، لتطوير مختلف القطاعات على طريق بناء اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة.
وأوضح طبا، أن «استراتيجية الإمارات للطاقة 2050» تركز على الاستدامة، من خلال تعزيز نسبة الاعتماد على الطاقة النظيفة من الطاقة الإجمالية من 25% إلى 50% بحلول عام 2050. وطرحت هواوي في الإمارات «إطار عمل مقار العمل صفرية الانبعاثات» الذي يساعد الشركات على تقييم أدائها الحالي، ووضع خريطة طريق للانتقال إلى الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة بالتماشي مع تلبية الطلب المتزايد على الخدمات الرقمية ومعالجة البيانات وفق نهج مستدام.
تحسين الكفاءة
وأكد محمد كرم، خبير الاستدامة والمدير الإقليمي لشركة «إنسينكراتور» إحدي شركات «ويرلبول» العالمية، أن مساهمة الاقتصاد الرقمي في دعم خطط الاستدامة بالإمارات تتجلى في عدة مجالات، من بينها تحسين الكفاءة وتقليل الاستهلاك في القطاعات الحكومية والخاصة، وذلك من خلال أتمتة العمليات، وتبني تقنيات موفرة للطاقة، ودعم تطوير بنية تحتية ذكية تسهم في إدارة الموارد بكفاءة أكبر، مثل شبكات الكهرباء الذكية وأنظمة المواصلات المتطورة.
وأشار كرم إلى أن الاقتصاد الرقمي عزز الابتكار في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، ما ساعد على التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، ودعم الاقتصاد الأخضر علاوة على ذلك، فإن تقديم الخدمات الحكومية إلكترونياً يُقلل من البصمة الكربونية، ويُسهل الوصول إلى الخدمات، ما يُحسن الكفاءة ويُقلل الهدر، كما يُمكّن استخدام تحليلات البيانات الكبيرة من التخطيط الاستراتيجي الفعّال واتخاذ قرارات أكثر استنارة تتعلق بالاستدامة وتطوير السياسات العامة.
وأوضح كرم أنه ومن خلال دمج التكنولوجيا في مختلف القطاعات، مثل تطوير البنية التحتية الذكية، وتعزيز الابتكار في مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وتقديم الخدمات الحكومية إلكترونياً لتقليل البصمة الكربونية، واستخدام تحليلات البيانات الكبيرة للتخطيط الاستراتيجي، واتخاذ قرارات مستدامة، ما أسهم في تحقيق أهداف الاستدامة بفعالية وكفاءة.
وحول أبرز التجارب التي استفادت منها البيئة والموارد الطبيعية من الاقتصاد الرقمي، قال كرم: «إن تطوير الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، إلى جانب الأتمتة والتحكم الذكي في إدارة الموارد الطبيعية، مثل المياه والغابات، واستخدام البيانات الكبيرة وأنظمة الاستشعار وتطوير أنظمة المواصلات الذكية، يسهم في تقليل الضغط على البيئة، ويعزز استدامة الموارد الطبيعية».
تحقيق التكامل
من جانبها قالت فيث تايلور، نائبة الرئيس ومديرة الاستدامة العالمية في شركة «كيندريل»: تقود دولة الإمارات الجهود الهادفة إلى خفض الانبعاثات التي تضمن لها الوصول إلى الحياد المناخي عام 2050، مع التزامها بالاقتصاد الرقمي، ومن شأن هذا التحول الرقمي أن يسهم بشكل كبير في تعزيز أهداف الاستدامة في البلاد، وتعزيز الحلول الذكية والفعالة التي تركز على قطاعات معينة، وفي مقدمتها الإنشاءات والنقل والنفايات.
وأضافت تايلور، عملت الدولة خلال العقد الماضي على تحقيق التكامل الاستراتيجي، ودعم الاعتماد على التقنيات الرقمية في القطاعين الحكومي والخاص، وشمل ذلك استخدام الطاقة المتجددة، والتحول إلى المباني وأنظمة النقل الخضراء. ويأتي ذلك كله في إطار المبادرة الهادفة إلى زيادة كفاءة الاستهلاك واستخدام تقنيات احتجاز الكربون.
وأوضحت، تمكنت الإمارات من الاستفادة من التحول الرقمي لتلبية معايير الاستدامة، بما في ذلك نجاحها من دمج البنية التحتية الذكية، مثل أنظمة كفاءة المباني الخضراء، وتحسين مصادر الطاقة المتجددة، والاعتماد على آليات صنع القرار القائمة على البيانات، وتبنّي الحلول المبتكرة التي تساعدها على مواجهة التحديات البيئية، واستخدام المنصات الرقمية لمشاركة الناس ونشر التوعية بين مختلف شرائحه، يضاف إلى ذلك المشاركة في الشبكات التعاونية العالمية. ويؤكد هذا النهج الشامل على التزام الدولة الراسخ إزاء استخدام التقنيات الرقمية، لضمان مستقبل أكثر استدامة وإدراكاً للتحديات البيئية.
وتابعت تايلور: يمكن أن يساعد التحول الرقمي على التخلص من مخلفات التلوث وتفادي الكوارث الناجمة عن التغير المناخي، إضافة إلى تقليل استخدام الوقود الأحفوري، ونشر حلول الطاقة النظيفة، مثل نشر السيارات الكهربائية، والتحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة. وتؤدي زيادة تبني حلول الاقتصاد الدائري إلى تقليل النفايات، وذلك عن طريق استخدام الحلول والأجهزة والبرامج الرقمية لإعادة التدوير. ويمكن أيضاً تقليل التلوث باستخدام التقنيات الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتقليل استخدام المواد التي تلوّث الماء والهواء بسبب استخدام التكنولوجيا الرقمية.
ومن خلال توظيف تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة والانتقال إلى الحوسبة السحابية تستطيع المؤسسات الحصول على معلومات مهمة لتقليل انبعاثات الكربون من بصمتها، بما في ذلك سلاسل التوريد الخاصة بها.
وذكرت تايلور أنه يمكن للشركات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكي تصبح أكثر اعتماداً على البيانات، وحتى تتمكن من التكيّف مع تأثيرات التغير المناخي وإدارة عواقبه

ليست هناك تعليقات